الأردنيون يودعون "حبس المدين".. استثناء حالات خاصة في التعديل القانوني الجديد .. ما هي؟

يعيش المشهد القانوني الأردني تحولاً مهماً مع إعلان نقيب المحامين الأردنيين يحيى أبو عبود عن انتهاء العمل بنظام حبس المدين منتصف عام 2025.
هذه الخطوة التي طال انتظارها تأتي ضمن سلسلة من الإصلاحات القانونية التي تسعى لتحديث المنظومة القضائية في المملكة، مع الاحتفاظ باستثناءات محددة تضمن استمرار حماية بعض الحقوق ذات الطبيعة الخاصة.
ويمثل هذا التغيير نقطة تحول في التعاملات المالية والقانونية، خصوصاً مع ارتفاع عدد المقترضين في البلاد إلى أكثر من مليون شخص وتزايد التحديات الاقتصادية التي تواجه المواطنين.
على الرغم من أن التعديل القانوني الجديد يلغي بشكل عام مبدأ حبس المدين، إلا أن المشرع الأردني أبقى على بعض الاستثناءات الهامة التي تستوجب استمرار تطبيق هذا الإجراء في حالات محددة.
وأوضح نقيب المحامين أن هذه الاستثناءات تشمل بشكل أساسي حقوق العمال وبدلات الإيجارات، نظراً لحساسية هذه القضايا وأهميتها في المحافظة على استقرار النسيج الاجتماعي والاقتصادي.
وتأتي هذه الخطوة للموازنة بين ضرورة تحديث القوانين وحماية الفئات الضعيفة في المجتمع.
وتجدر الإشارة إلى أن التعديلات الأخيرة على قانون التنفيذ لم تقتصر على إلغاء مبدأ الحبس، بل شملت أيضاً تقليص مدة حبس المدين عن الدين الواحد من 90 يوماً إلى 60 يوماً سنوياً، مع وضع سقف أعلى للحبس لا يتجاوز 120 يوماً في السنة بغض النظر عن تعدد الديون.
هذه التعديلات تعكس توجهاً نحو التخفيف من الأعباء على المدينين، خاصة مع تزايد التحديات الاقتصادية التي تواجه الأسر الأردنية في ظل الظروف الراهنة.
كشفت البيانات التي قدمها الخبير الاجتماعي حسين الخزاعي حجم الأزمة المالية التي تواجه المجتمع الأردني، حيث بلغ عدد المقترضين من البنوك مليوناً و220 ألف شخص، مع وجود نسبة لا يستهان بها من النساء تقدر بربع هذا العدد.
وقد أدت موجات فقدان الوظائف خلال الأزمات المتتالية إلى تفاقم مشكلة تعثر سداد الأقساط، مما انعكس سلباً على استقرار العديد من الأسر الأردنية وأدى إلى زيادة الاضطرابات الأسرية والضغوط النفسية والاجتماعية.
ومن المتوقع أن تؤدي التعديلات الجديدة إلى تغيير جذري في التعاملات المالية بين الأفراد والمؤسسات، خاصة مع المخاوف المتزايدة من تراجع استخدام الشيكات والكمبيالات كضمانات للديون.
ورغم أن هذه المخاوف قد تبدو مبررة، إلا أن التجارب العالمية تشير إلى أن إلغاء حبس المدين غالباً ما يؤدي إلى تطوير آليات أكثر فعالية وإنسانية لتحصيل الديون، مما يعزز في النهاية استقرار السوق وثقة المستثمرين على المدى الطويل.
صرح وزير العدل أحمد الزيادات بأن الحكومة الأردنية لن تترك فراغاً في آليات تحصيل الحقوق المالية، بل ستعتمد على مجموعة من البدائل التي تضمن حقوق الدائنين دون اللجوء إلى حبس المدين.
وتشمل هذه البدائل إمكانية الحجز على ممتلكات المدين وبيعها لتسديد الديون المستحقة، بالإضافة إلى منعه من السفر حتى يتم الوفاء بالتزاماته المالية. هذه الإجراءات تهدف إلى تحقيق التوازن بين حماية حقوق الدائنين وتجنب الآثار السلبية للحبس على المدين وأسرته والمجتمع ككل.
وتعمل الجهات المختصة حالياً على تطوير نظام متكامل للاستعلام عن الملاءة المالية وتصنيف المقترضين، مما سيساعد المؤسسات المالية على اتخاذ قرارات أكثر دقة عند منح القروض وتحديد الضمانات المناسبة.
كما يجري العمل على تعزيز دور مديرية التنفيذ وتحديث إجراءاتها لضمان سرعة وفعالية تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بالديون. هذه الإصلاحات المتكاملة تعكس رؤية شاملة للتعامل مع قضايا الديون بطرق أكثر حداثة وإنسانية، بما يتماشى مع المعايير الدولية في هذا المجال.
يمثل إلغاء نظام حبس المدين خطوة متقدمة في مسيرة تحديث المنظومة القانونية الأردنية، بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والممارسات الفضلى في هذا المجال. ورغم التحديات التي قد تواجه تطبيق هذا النظام الجديد، فإن البدائل المقترحة والاستثناءات المحددة تشكل إطاراً متوازناً يحمي حقوق جميع الأطراف.
ومع مرور الوقت، قد يحتاج هذا النظام إلى مراجعة وتطوير لمعالجة أي ثغرات قد تظهر أثناء التطبيق، لكنه يبقى خطوة مهمة نحو بناء نظام قضائي أكثر عدالة وإنسانية يساهم في تعزيز استقرار المجتمع ودفع عجلة التنمية الاقتصادية في المملكة.
سيتم تحسين تجربتنا على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط