تراجع كبير وغير مسبوق لاسعار العقارات وبيع الشقق السكنية في العاصمة عمان والمدن الأردنية ومصادر تكشف السبب؟

يشهد السوق العقاري في الأردن هزة غير مسبوقة مع تراجع لافت في مبيعات الشقق السكنية خلال الأشهر الأخيرة.

 تكشف البيانات الصادرة عن دائرة الأراضي والمساحة عن انخفاض ملحوظ في حركة البيع والشراء على الرغم من المبادرات الحكومية المتتالية لتحفيز السوق. 

هذا التراجع يعكس تغيرات عميقة في سلوك المستهلكين واحتياجاتهم، ويثير تساؤلات حول مستقبل القطاع العقاري في المملكة ومدى نجاعة السياسات المطبقة لتنشيط هذا القطاع الحيوي.

تحليل الاتجاهات الحالية في مبيعات الشقق السكنية:

تظهر المعطيات الرسمية أن مبيعات الشقق بمختلف مساحاتها قد سجلت هبوطاً واضحاً في الربع الأول من العام الجاري. 

ويلفت النظر أن نسبة التراجع وصلت إلى 12٪ في المبيعات الشهرية مقارنة بشهر مارس الماضي، مشيرة إلى حالة من عدم الاستقرار في الطلب. وحسب تقارير دائرة الأراضي والمساحة، فإن الشقق التي تقل مساحتها عن 120 متراً مربعاً شهدت انخفاضاً بنسبة 8٪ على أساس سنوي، ما يعكس تغيراً في توجهات المشترين وأولوياتهم.

بالمقابل، سجلت الشقق التي تتجاوز مساحتها 150 متراً مربعاً ارتفاعاً بنسبة 6٪ مقارنة بالعام السابق لتصل إلى 3557 شقة، وهي نسبة تدل على تفضيل شريحة من المشترين للمساحات الأكبر. غير أن هذا الارتفاع لم يكن كافياً لموازنة الانخفاض العام في حركة السوق، مما يضع المستثمرين العقاريين أمام تحديات جديدة تستدعي إعادة التفكير في استراتيجياتهم التسويقية والاستثمارية.

الاستجابة الحكومية وتأثيرها على السوق العقاري

سعت الحكومة الأردنية جاهدة لتنشيط السوق العقاري من خلال حزمة من الإجراءات التحفيزية. 

وتشير المصادر إلى أن الحكومة أصدرت قراراً يقضي بإعفاء الشقق السكنية التي تزيد مساحتها عن 150 متراً مربعاً بنسبة 50٪ من رسوم التسجيل، فيما منحت إعفاءً كاملاً للشقق التي تقل مساحتها عن ذلك. 

هذه الخطوة كانت تهدف بشكل أساسي إلى تسهيل امتلاك المساكن وتحفيز حركة البيع والشراء في السوق.

لكن يبدو أن هذه المبادرات لم تحقق النتائج المرجوة بشكل كامل. 

فعلى الرغم من الإعفاءات الممنوحة، لم تستطع هذه السياسات التغلب على العوامل الأخرى التي تؤثر سلباً في الطلب العقاري، خاصة في فئات الشقق الصغيرة والمتوسطة. 

ويخلص المراقبون إلى أن استعادة الثقة في السوق تتطلب مقاربة أكثر شمولية تأخذ بعين الاعتبار المشكلات الهيكلية التي يعاني منها القطاع، والتي لا تقتصر على الرسوم والضرائب.

تأثير التقلبات الاقتصادية والعوامل المحيطة على السوق العقاري:

تتداخل مجموعة من العوامل الاقتصادية في تشكيل الصورة الحالية للسوق العقاري الأردني. فارتفاع تكاليف مواد البناء وزيادة أسعار الفائدة على القروض السكنية أسهمت في رفع الكلفة الإجمالية للامتلاك. 

كما كشفت الأرقام أن انخفاض المبيعات يتفاوت حسب المساحات، فالشقق التي تقل مساحتها عن 120 متراً مربعاً سجلت تراجعاً بنسبة 21٪، بينما انخفضت مبيعات الشقق بين 120 و150 متراً مربعاً بنسبة 2٪، ما يشير إلى اختلاف تأثير العوامل الاقتصادية على مختلف شرائح المشترين.

أضف إلى ذلك التحولات في سلوك المستهلكين واحتياجاتهم السكنية، حيث تميل العائلات الأصغر حجماً نحو المساكن الأكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة والتكلفة. 

وتؤكد دراسات السوق أن استمرار التقلبات الاقتصادية يزيد من حالة الترقب لدى المستثمرين والمشترين على حد سواء، مما ينعكس سلباً على حركة السوق العقاري برمته ويضعف الثقة في جدوى الاستثمار العقاري كملاذ آمن في ظل الظروف الراهنة.

يبقى السوق العقاري الأردني في مفترق طرق يتطلب تدخلات أكثر فاعلية لتنشيطه. فعلى الرغم من الجهود الحكومية المبذولة لتحفيز المبيعات عبر تخفيض الرسوم، إلا أن التراجع المستمر يشير إلى عمق المشكلة وتعدد أبعادها. 

ومع استمرار التحديات الاقتصادية، أصبحت الحاجة ملحة لابتكار حلول مستدامة تعالج الأسباب الجذرية للتراجع، وتأخذ بعين الاعتبار المتغيرات السوقية والاحتياجات المتجددة للمستهلكين. 

ولعل أبرز ما يمكن استخلاصه من الوضع الحالي هو ضرورة إعادة التفكير في نماذج التطوير العقاري بما يتلاءم مع القدرات الشرائية المتغيرة والاتجاه نحو خيارات سكنية أكثر استدامة واقتصاداً.