بوتين يغادر ألاسكا مع دعوة ترامب لموسكو.. والقضية الوحيدة المعلقة تثير القلق الأوروبي


غادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولاية ألاسكا الأمريكية مساء أمس حاملاً معه دعوة مفتوحة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لزيارة موسكو، في ختام قمة وصفها الطرفان بـ"البناءة" رغم عدم التوصل لاتفاق نهائي بشأن القضية الأوكرانية.
وأكد ترامب في المؤتمر الصحفي المشترك أنه اتفق مع نظيره الروسي على "الكثير من النقاط" خلال المحادثات التي امتدت لثلاث ساعات، لكنه أشار إلى وجود "نقطة واحدة على الأرجح هي الأكثر أهمية" لم يتم حسمها بعد. وفي لحظة مفاجئة، دعا بوتين ترامب علناً للقاء في موسكو، قائلاً بالإنجليزية: "المرة المقبلة في موسكو"، ليرد عليه الرئيس الأمريكي: "هذا أمر مثير للاهتمام. سأتعرض لانتقادات لاذعة بسبب ذلك، لكنني أرى أنه ممكن الحدوث".
وتمثل هذه القمة أول زيارة لبوتين إلى أرض غربية منذ بدء الهجوم على أوكرانيا في فبراير 2022، مما يشكل كسراً للعزلة الدبلوماسية المفروضة عليه. ورغم التفاؤل الظاهري للقاءين، إلا أن القضية الأوكرانية بقيت معلقة دون حلول واضحة، حيث أكد ترامب أن "الكرة باتت في ملعب الرئيس زيلينسكي" لإتمام أي اتفاق مستقبلي.
وشدد بوتين على أن روسيا "مهتمة بصدق بوضع حد للنزاع"، لكنه أكد ضرورة أخذ "المخاوف المشروعة" لبلاده بعين الاعتبار. وحذر من "محاولات تعطيل التقدم من خلال الاستفزازات أو المكائد الخفية"، في إشارة واضحة لأوكرانيا والدول الأوروبية.
ومن جانبه، أعطى ترامب القمة تقييماً مثالياً "10 من 10"، مؤكداً أن المحادثات كانت "مثمرة للغاية". وكشف أنه تفاوض مع بوتين على ملفات شملت حلف شمال الأطلسي وإجراءات أمنية والأرض، مضيفاً أنه ناقش معه قضايا متعلقة بالمعاهدات النووية.
وأثار غياب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن القمة قلقاً أوروبياً واضحاً من أن تحدد موسكو وواشنطن ملامح التسوية المقبلة دون مشاركة كييف. وسارع ترامب لتهدئة هذه المخاوف بإطلاع زيلينسكي والقادة الأوروبيين على نتائج القمة في اتصال استمر "أكثر من ساعة بقليل" شارك فيه رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته.
وفي رد الفعل الأوكراني الفوري، أكد زيلينسكي أن "لا شيء عن أوكرانيا من دون أوكرانيا"، محذراً من أن أي اتفاق يجري في غياب كييف سيكون مكسباً استراتيجياً للكرملين. كما وصف وزير الخارجية الأوكراني أندريي سيبيها ما حدث في ألاسكا بأنه "هدية مرفوضة" لموسكو.
وأعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن المحادثة بين ترامب وبوتين كانت "إيجابية للغاية"، مضيفاً أنها "تسمح للبلدين بالمضي قدماً بثقة معاً على طريق البحث عن خيارات للتسوية". كما أعلن السفير الروسي في واشنطن ألكسندر دارتشييف أن جولة جديدة من المشاورات ستُعقد قريباً لمعالجة نقاط التوتر في العلاقات الثنائية.
وقبل مغادرته، وضع بوتين الزهور على أضرحة الطيارين السوفيات الذين لقوا حتفهم عام 1943 أثناء نقل الطائرات عبر المسار الجوي بين ألاسكا وسيبيريا، في إشارة رمزية للتاريخ المشترك بين البلدين.
وفيما يتعلق بالعقوبات والرسوم الجمركية، قال ترامب إنه لا يرى حاجة في الوقت الحالي لفرض رسوم مضادة على الدول التي تواصل شراء النفط الروسي، مبرراً: "بسبب ما جرى اليوم، أعتقد أنني لست مضطراً للتفكير في ذلك الآن". لكنه أضاف أن الأمر قد يصبح مطروحاً "بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع أو ما شابه".
وأكد بوتين أن ألاسكا تمثل "جزءاً من التاريخ المشترك بين روسيا وأمريكا"، معتبراً أن الاجتماع يمكن أن يشكل "نقطة انطلاق نحو استعادة العلاقات". وأشار إلى وجود إمكانيات هائلة للبلدين لبناء شراكة تجارية واستثمارية في مجالات مثل الطاقة والتكنولوجيا واستكشاف الفضاء والقطب الشمالي.
ورغم التفاؤل المعلن من الطرفين، تبقى القضية الأوكرانية العقدة الأساسية التي لم تجد حلاً، حيث تصر روسيا على مطالبها بتنازل أوكرانيا عن طموحاتها بالانضمام لحلف الناتو والتخلي عن مناطقها الشرقية، بينما ترفض كييف هذه المطالب وتدعو لضمانات أمنية تمنع روسيا من شن هجوم جديد.
وختم ترامب القمة بالقول: "أعتقد أننا نقترب جداً من التوصل لاتفاق. على أوكرانيا أن توافق، وربما لا تفعل. نصيحتي إلى زيلينسكي أن يبرم اتفاقاً"، في إشارة واضحة لضغوط أمريكية محتملة على كييف لقبول تسوية قد لا تلبي كامل تطلعاتها.
سيتم تحسين تجربتنا على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط