قم بمشاركة المقال

whatsapp icon facebook icon twitter icon telegram icon

ناشطة يمينية واحدة تنجح في منع علاج 63 طفلاً فلسطينياً مصاباً في أمريكا

ناشطة يمينية واحدة تنجح في منع علاج 63 طفلاً فلسطينياً مصاباً في أمريكا
نشر: verified icon

سياق سعودي

18 أغسطس 2025 الساعة 10:40 صباحاً

أثارت ناشطة يمينية واحدة في الولايات المتحدة موجة من الجدل بعد نجاحها في إقناع إدارة الرئيس دونالد ترامب بوقف تأشيرات دخول 63 طفلاً فلسطينياً مصاباً كانوا في طريقهم لتلقي العلاج الطبي العاجل في المستشفيات الأمريكية. لورا لوومر، الناشطة اليمينية المتطرفة، تمكنت من خلال حملة شيطنة ممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي من تحويل مسألة إنسانية بحتة إلى قضية أمن قومي.

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، يوم السبت 16 أغسطس الجاري، وقف جميع تأشيرات الزيارة للأشخاص القادمين من قطاع غزة بما فيهم المرضى والمصابين والأطفال، وذلك عقب حديث مباشر أجرته لوومر مع وزير الخارجية ماركو روبيو في الليلة السابقة. القرار جاء كاستجابة فورية لما أسمته الناشطة المتطرفة "خطر الغزو الإسلامي" وتهديد "الأمن القومي"، رغم أن المتضررين هم أطفال مصابون يحتاجون لعمليات جراحية منقذة للحياة.

كانت منظمة "شفاء فلسطين" (HEAL Palestine) غير الربحية قد نجحت في تنسيق أكبر عملية إجلاء طبي منفردة للأطفال المصابين من غزة إلى الولايات المتحدة، حيث تم نقل 63 طفلاً، 11 منهم تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عاماً. معظم هؤلاء الأطفال يعانون من بتر أطراف وحروق شديدة فاقمتها سوء التغذية، ووصلوا إلى تسعة مدن أمريكية لتلقي العلاج في مستشفيات متخصصة.

لم تكتف لوومر بالضغط على الإدارة الأمريكية فحسب، بل شنت حملة تشويه واسعة ضد المنظمة الخيرية ومؤسسيها. زعمت الناشطة المتطرفة، التي تملك تاريخاً طويلاً من العداء للإسلام، أن هذه المؤسسات مرتبطة بحركة المقاومة الفلسطينية حماس، وأرسلت هذه الادعاءات لعدد من المسؤولين الفيدراليين ونواب البرلمان الأمريكيين. النائب الجمهوري تشيب روي من تكساس تفاعل مع منشورات لوومر معلناً "قلقه الشديد" وإجراء تحقيقات حول ما أسماه "الرحلات القادمة".

تصف الدكتورة زينة سلمان، الشريكة المؤسسة لمنظمة "شفاء فلسطين"، هذه الرحلات الطبية بأنها مسألة حياة أو موت، مؤكدة أن "هؤلاء الأطفال لم يكن بوسعهم الانتظار، حياتهم على المحك، وهذه المهمة تتعلق بإعطائهم مستقبلاً". طبيب الطوارئ المتطوع في المؤسسة، محمد صُبَه، أشار إلى أنه عالج بعض الأطفال الذين وصلوا مؤخراً إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو خلال عمله السابق في غزة، موضحاً أن الإصابات تشمل صدمات عظمية وحروقاً شديدة.

يأتي هذا القرار في ظل أوضاع كارثية يشهدها قطاع غزة، حيث أسفرت حرب الإبادة عن إصابة أكثر من 56,000 فلسطيني، بينهم نحو 12,000 طفل، فضلاً عن استشهاد ما يقارب 62,000 شخص، منهم حوالي 19,000 طفل. التدمير الممنهج للمنظومة الصحية في القطاع جعل إخراج المصابين للعلاج بالخارج الخيار الوحيد لإنقاذ حياتهم، خاصة الأطفال أصحاب الحالات الحرجة.

لا تقتصر حملة الشيطنة على الرحلات العلاجية فحسب، بل طالت كل من أبدى دعماً لأطفال غزة. المعلمة والإعلامية الأمريكية "ميس رايتشل"، مؤسسة قناة "Songs for Littles" على يوتيوب، تعرضت لهجوم شرس من منظمات داعمة لإسرائيل فقط لأنها جمعت أكثر من 50,000 دولار لدعم الأطفال في غزة والسودان وأوكرانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وظهرت في مقطع فيديو مؤثر مع الطفلة رهف من غزة التي فقدت ساقيها في غارة جوية.

يكشف هذا القرار عن ازدواجية فجة في السياسة الأمريكية عند مقارنة التعاطي مع الأوكرانيين والفلسطينيين في ظروف متشابهة إنسانياً. منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في 2022، قدمت واشنطن مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية واقتصادية، وفتحت أبوابها بسهولة أمام الأوكرانيين للهجرة المؤقتة واللجوء الإنساني، فيما يُقيد الفلسطينيون تحت ذريعة الأمن القومي.

ليس قرار 16 أغسطس الأول من نوعه في تسييس ملف تأشيرات الفلسطينيين، فهو امتداد لتاريخ طويل يعود لثمانينات القرن الماضي. في أعقاب هجوم ميونيخ 1972، دشنت إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون "عملية بولدر" لتعزيز التدقيق الأمني على القادمين من الشرق الأوسط، وعلى رأسهم الفلسطينيون. تصاعد الأمر في التسعينات وإن خفت قليلاً بعد اتفاقيات أوسلو 1993، ليعاود التصعيد مجدداً في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001.

يحول هذا التسييس المفرط ملف التأشيرات من مسألة قنصلية خالصة تخضع لتقدير مهني وفق ضوابط محددة، إلى ملف خاضع لميزان قوى الداخل وحسابات انتخابية. الجمهوريون يميلون لتصوير أي انفتاح تجاه الفلسطينيين كخطر على الأمن القومي، ويستثمرون في خطاب التخويف لكسب أصوات القاعدة اليمينية المتطرفة، فيما يتجنب الديمقراطيون المواجهة مع الشعبويين المتطرفين ويغضون الطرف عن الممارسات المتشددة.

تُظهر قصة الطفلة الفلسطينية حبيبة نموذجاً صارخاً على الآثار المترتبة على التأخير في العلاج، حيث فقدت ذراعيها وساقها لأنها لم تتلق العلاج المطلوب في الوقت المناسب. الأطباء المعالجون يؤكدون أنه كان بالإمكان إنقاذ أطرافها لو سُمح لها بالسفر للعلاج بالخارج في الوقت المناسب، محذرين من تداعيات أي قرار يؤخر العلاج المناسب.

أصاب القرار الأمريكي العديد من المنظمات الخيرية مثل صندوق إغاثة أطفال فلسطين بالصدمة، فيما وصفته منظمات حقوقية بالقاتل لأنه يختزل حياة الطفل في لعبة سياسية داخلية لا ترعى اعتبارات إنسانية أو أخلاقية. مع كل دقيقة تأخير في سفر المصابين للعلاج تتفاقم المأساة وتزداد قوائم الموت اسماً تلو الآخر.

يؤكد الدبلوماسي الأمريكي السابق أندرو ميلر، المسؤول رفيع المستوى السابق في وزارة الخارجية لشؤون الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في إدارة بايدن، أن الغزيين لا يحصلون على تأشيرات للولايات المتحدة إلا عبر السفارات في القدس أو القاهرة أو عمّان، وبعد اجتياز فحوصات أمنية صارمة، وأحياناً بموافقة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، مضيفاً أن "أي ادعاء بأن هذه الحالات تشكّل مخاطرة أمنية استثنائية لا أساس له".

تعمل مثل هذه القرارات العنصرية على تآكل صورة واشنطن الدولية وتضعف قدرتها على تقديم نفسها كوسيط محايد في الصراع، وتعزز الرواية القائلة إنها طرف منحاز يضع اعتبارات إسرائيل فوق أي التزام إنساني. أقبح ما في ملف تسييس تأشيرات العلاج للفلسطينيين أنه يُفرغ المفهوم الإنساني من معناه، ويحول حياة طفل إلى "ملف أمني" أو "ورقة انتخابية" لتواصل الولايات المتحدة سقوطها الفاضح في هذا الاختبار الإنساني الكاشف.

قم بمشاركة المقال

whatsapp icon facebook icon twitter icon telegram icon

المزيــــــد