موظفو مايكروسوفت يعتصمون داخل المقر.. والسبب مراقبة ملايين المكالمات الفلسطينية


اجتاح موجة من الاحتجاجات العمالية مقر شركة مايكروسوفت في سياتل، حيث نفذ العشرات من الموظفين الحاليين والسابقين اعتصاماً مفتوحاً داخل الحرم الرئيسي للشركة، مطالبين بوقف فوري لجميع أشكال التعاون مع الجيش الإسرائيلي، وذلك على خلفية تقارير مثيرة للجدل كشفت عن استخدام منصة Azure السحابية في مراقبة ملايين المكالمات الهاتفية للفلسطينيين.
تحول الحرم الشرقي لمقر الشركة إلى ساحة احتجاج حقيقية أطلق عليها المتظاهرون اسم "ساحة أطفال فلسطين الشهداء"، حيث نصبت خيام ملونة وعُقدت جلسات حوار مكثفة استمرت لساعتين متواصلتين. رفع المحتجون لافتات حملت شعارات مثل "انضموا إلى انتفاضة العمال ضد الإبادة الجماعية" و"لا عمل من أجل الهولوكوست"، في مشهد غير مسبوق داخل أحد أهم معاقل التكنولوجيا العالمية.
كانت الشرارة المباشرة للاحتجاجات تقرير مدوي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، والذي فضح تعاون وثيق بين مايكروسوفت والوحدة الاستخباراتية الإسرائيلية رقم 8200، المختصة في التنصت والمراقبة الإلكترونية. وحسب التقرير، استخدمت هذه الوحدة منصة Azure التابعة للشركة الأمريكية لتخزين تسجيلات لا تُحصى من المكالمات الهاتفية والرسائل النصية للمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
حسام ناصر، الموظف السابق في مايكروسوفت وأحد منظمي الاحتجاج، كشف أن اغتيال الصحفي الفلسطيني أنس الشريف كان المحرك الأساسي لهذا التحرك الجماعي. "شاهدت الصحفي أنس الشريف يواصل تغطيته من غزة رغم المجاعة والحصار والقصف المستمر، وقد تم استهدافه بشكل متعمد"، قال ناصر مؤكداً أن رسالة الشريف الأخيرة التي دعا فيها إلى عدم السكوت أمام الظلم كانت بمثابة نداء للضمير.
نسرين جرادات، الموظفة الحالية في الشركة وعضو حملة "لا أزور للفصل العنصري"، عبرت عن إحباط عميق من "الاستجابة الباهتة" لإدارة مايكروسوفت تجاه الكشوفات الأخيرة. "كل ثانية تمر تجعل الوضع في فلسطين أكثر سوءاً، المزيد من القتلى والمصابين، حان الوقت للتصعيد بكل الوسائل الممكنة"، أضافت جرادات مشيرة إلى أن أكثر من 62 ألف فلسطيني قتلوا منذ بداية العدوان الإسرائيلي.
يطالب المحتجون بحزمة مطالب جذرية تشمل قطع جميع العقود والشراكات مع الجيش والحكومة الإسرائيلية، وسحب كامل الاستثمارات من إسرائيل، إلى جانب تعويض شامل للفلسطينيين المتضررين من استخدام تقنيات الشركة في المراقبة والاستهداف. كما يدعون إلى إنهاء ما وصفوه بالتمييز المنهجي ضد الموظفين الفلسطينيين داخل أروقة الشركة.
منصة Microsoft Azure للحوسبة السحابية، التي تُعتبر من أكبر المنصات التقنية في العالم، تقدم خدمات تخزين ومعالجة البيانات للحكومات والمؤسسات الكبرى. واستخدام هذه التقنيات المتطورة في مراقبة المدنيين يثير تساؤلات أخلاقية جوهرية حول مسؤولية الشركات التكنولوجية في حماية حقوق الإنسان.
ردت مايكروسوفت على الاتهامات بنفي قاطع لعلمها بأي أنشطة مراقبة للمدنيين، مؤكدة أنها أجرت مراجعات شاملة شملت مقابلات مع عشرات الموظفين وتحليل آلاف الوثائق دون العثور على أدلة تدين الشركة. غير أن الضغوط المتصاعدة أجبرتها على الاستعانة بمكتب محاماة مستقل لإجراء تحقيق خارجي عاجل، وهو الثاني من نوعه خلال العام الجاري.
انتهى الاعتصام بعد تدخل الشرطة التي طلبت من المتظاهرين مغادرة المبنى، لكن الحراك تواصل على الأرصفة العامة خارج المقر حيث استمر توزيع المنشورات والبيانات الداعية لمقاطعة الشركة. هذه التطورات تأتي في سياق موجة احتجاجات واسعة اجتاحت أكثر من مئة جامعة أمريكية، مما يشير إلى تحول نوعي في طبيعة الحراك المؤيد لفلسطين من الأوساط الأكاديمية إلى قلب الشركات التكنولوجية الكبرى.
سيتم تحسين تجربتنا على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط