كيف حققت منطقة الصبيحة معادلة مستحيلة: من 15 ألف مهاجر غير شرعي إلى استقرار أمني كامل؟


أعلنت الحملة الأمنية المشتركة في منطقة الصبيحة، بقيادة العميد حمدي شكري، عن تحقيق إنجاز أمني استثنائي خلال عامين فقط، حيث نجحت في تحويل المنطقة من بؤرة للفوضى والتهريب إلى نموذج للاستقرار والأمن. وتمكنت القوات من ضبط أكثر من 15 ألف مهاجر غير شرعي وتفكيك شبكات التهريب المتشعبة التي كانت تستغل الشريط الساحلي الممتد على طول 180 كيلومتراً.
تشكلت الحملة الأمنية في مايو 2023 بتوجيهات مباشرة من مجلس القيادة الرئاسي برئاسة الدكتور رشاد العليمي، وبإشراف وزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري. وضمت القوات المشاركة الفرقة الثانية عمالقة واللواء السابع مشاة وقوات درع الوطن، في عملية متكاملة لاستعادة الأمن وفرض سلطة القانون.
كانت منطقة الصبيحة تعاني من أوضاع أمنية متدهورة استمرت لعقود، حيث تحولت إلى ممر رئيسي لعمليات التهريب والهجرة غير الشرعية والأنشطة الإجرامية. وشكلت هذه الأوضاع تهديداً مباشراً لأمن المنطقة واستقرارها الاجتماعي، خاصة مع انتشار الثأرات القبلية وأعمال التقطع على الطرق الرئيسية.
بدأت العمليات الأمنية من مديرية طور الباحة، عاصمة الصبيحة، حيث نشرت قوات اللواء 21 عمالقة بقيادة العقيد عبدالفتاح الأربد، مدعومة بوحدات من اللواء 22 عمالقة تحت قيادة العقيد عزام المغربي. وتمكنت هذه القوات من تأمين المديرية بالكامل وتطهيرها من العناصر المطلوبة أمنياً.
امتدت العمليات في أغسطس 2023 لتشمل مديرية المضاربة ورأس العارة والشريط الساحلي، بمشاركة قوات درع الوطن بقيادة العميد بشير المضربي. وركزت هذه المرحلة على مكافحة تهريب البشر والمخدرات والأسلحة، حيث تم تدمير عشرات الأحواش والهناجر المستخدمة في هذه الأنشطة غير المشروعة.
حققت الحملة نتائج مذهلة في مجال مكافحة التهريب، حيث ألقت القبض على أكثر من 850 مهرباً متخصصاً في الاتجار بالبشر، وضبطت كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة والمواد المهربة. كما نجحت في تدمير شبكات التهريب التي كانت تدر مئات الملايين من الدولارات سنوياً على الجماعات الإجرامية والمليشيات المعادية.
تضمنت الإنجازات الأمنية إحراق معامل تصنيع الخمور المحلية وضبط كميات كبيرة من الأدوية المهربة والمنتهية الصلاحية. وشملت العمليات أيضاً ضبط قوارب التهريب في المياه الإقليمية ومنع وصول الإمدادات غير المشروعة إلى الجماعات المسلحة في مناطق أخرى من البلاد.
نجحت الحملة في قطع أحد أهم شرايين الإمداد للمليشيات الحوثية، التي كانت تعتمد على الشريط الساحلي للصبيحة في تهريب الأسلحة والمخدرات والحصول على التمويل من خلال عمليات التهريب المتنوعة. وأدت هذه الضربات إلى خسائر مالية فادحة للجماعات الإجرامية وشركائها من المليشيات.
تزامن مع العمليات الأمنية جهود مكثفة لحل النزاعات القبلية وإنهاء ظاهرة الثأرات التي عصفت بالمنطقة لسنوات طويلة. وتم تشكيل لجان مجتمعية برئاسة العميد حمدي شكري وبمشاركة وجهاء ومشايخ المنطقة لمعالجة هذه القضايا بطرق سلمية وعادلة.
أكد الشيخ جلال الكعلولي، عضو لجنة معالجة الثأرات، أن الحملة الأمنية حققت إنجازات تاريخية في مجال المصالحات المجتمعية. وقال إن اللجنة نجحت في حل أكثر من 70% من قضايا الثأر العالقة، وتوقيع ميثاق شرف وطني بين جميع القبائل من كرش إلى باب المندب.
شمل ميثاق الشرف الوطني الصبيحي التزامات واضحة من جميع الأطراف بنبذ العنف وحقن الدماء والتعاون مع السلطات الأمنية. ووضع الميثاق آليات لمنع تكرار النزاعات وضمانات لحماية السلم الأهلي، مما أسهم في تحقيق استقرار اجتماعي لم تشهده المنطقة منذ عقود.
ترافق الاستقرار الأمني مع عودة الحياة الطبيعية إلى مناطق الصبيحة، حيث استأنفت الأنشطة التجارية والاقتصادية وأصبحت الطرق آمنة للمسافرين. وعادت المنظمات الدولية والمحلية لممارسة أنشطتها التنموية والإنسانية في المنطقة بعد سنوات من التوقف بسبب انعدام الأمن.
واجهت الحملة الأمنية تحديات كبيرة من الشبكات الإجرامية التي فقدت مصالحها المالية الضخمة، حيث شنت حملات إعلامية مضادة وحاولت إثارة الفتن لتقويض الإنجازات المحققة. لكن الدعم الشعبي الواسع للحملة وقيادتها، إلى جانب وعي المجتمع المحلي بأهمية الحفاظ على المكتسبات، أسهم في إفشال هذه المحاولات.
تمكنت القوات من تأمين مساحة تزيد على 10 آلاف كيلومتر مربع تحاذي ثلاث محافظات، وفرضت نظاماً أمنياً صارماً منع عودة الأنشطة الإجرامية. واستخدمت الحملة تقنيات متطورة في الرصد والمتابعة لضمان عدم تسلل العناصر المطلوبة أو إعادة تنشيط شبكات التهريب.
أظهرت الإحصائيات الرسمية تراجعاً حاداً في معدلات الجريمة بنسبة تجاوزت 90% مقارنة بالفترة السابقة، مع اختفاء شبه تام لجرائم التقطع والحرابة التي كانت منتشرة على نطاق واسع. كما انخفضت حوادث القتل المرتبطة بالثأرات القبلية إلى مستويات قياسية منخفضة.
يُعتبر العميد حمدي شكري الشخصية المحورية في هذا التحول الأمني الاستثنائي، حيث قاد عمليات معقدة تطلبت تنسيقاً دقيقاً بين وحدات عسكرية متعددة وتعاملاً حكيماً مع التعقيدات المجتمعية. ونجح في بناء ثقة الأهالي وكسب دعمهم من خلال العدالة في التطبيق والحزم في مواجهة المخالفين.
دعت شخصيات مجتمعية وسياسية إلى ضرورة دعم الحملة الأمنية لوجستياً ومالياً لضمان استدامة الإنجازات المحققة. وأكدوا أن التكاليف الباهظة لعمليات الأمن تتطلب دعماً مستمراً من الحكومة المركزية والمجتمع الدولي للحفاظ على هذا النموذج الناجح.
تجاوزت نتائج الحملة الأمنية الجوانب العسكرية لتشمل تحسينات اجتماعية واقتصادية ملموسة، حيث عادت الثقة للمستثمرين وأصحاب الأعمال. وشهدت المنطقة إقبالاً متزايداً على المشاريع التنموية والخدمية بعد سنوات من الركود بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة.
رغم التحديات المستمرة من الشبكات الإجرامية والمليشيات المعادية، تواصل الحملة الأمنية جهودها لتوسيع نطاق السيطرة وتعميق الاستقرار. وتركز الخطط المستقبلية على تعزيز التنمية المجتمعية وبناء مؤسسات دائمة للأمن والحكم المحلي تضمن استمرارية الإنجازات المحققة.
حققت تجربة الصبيحة اهتماماً إقليمياً ودولياً كنموذج يُحتذى به في مكافحة التهريب والجريمة المنظمة. وتدرس دول مجاورة إمكانية الاستفادة من الخبرات المكتسبة في مناطقها التي تواجه تحديات مشابهة، خاصة في مجال التعامل مع شبكات التهريب العابرة للحدود.
تستعد منطقة الصبيحة لمرحلة جديدة من التطوير والبناء بعد سنوات من الدمار والفوضى، حيث تتطلع القيادة المحلية إلى تحويل المنطقة إلى مركز تجاري واقتصادي يستفيد من موقعها الاستراتيجي على مضيق باب المندب. ويُتوقع أن تساهم الاستثمارات الجديدة في توفير فرص عمل للشباب وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان المحليين.
سيتم تحسين تجربتنا على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط