قم بمشاركة المقال

whatsapp icon facebook icon twitter icon telegram icon

تسرب دراسي يثير القلق!.. أين يذهب 11,720 طالبًا؟

تسرب دراسي يثير القلق!.. أين يذهب 11,720 طالبًا؟
نشر: verified icon علي الزعبي 07 مايو 2025 الساعة 05:30 مساءاً

في ممرات المدارس الأردنية الهادئة، تختفي سنويًا أصوات آلاف الطلاب والطالبات بصمت مقلق. فقد كشفت دائرة الإحصاءات العامة في الأردن عن أرقام صادمة تتعلق بالتسرب المدرسي خلال العام الدراسي 2023/2024، حيث غادر نحو 11,720 طالبًا وطالبة مقاعدهم الدراسية، موزعين على الصفوف من الأول حتى العاشر الأساسي. هذه الأرقام تطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل هؤلاء الطلاب والأسباب التي دفعتهم لترك مسيرتهم التعليمية والتأثير المحتمل على مستقبل التنمية في البلاد.

تفاصيل التسرب الدراسي بالأرقام

تشير البيانات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة إلى أن الصف التاسع الأساسي سجل النصيب الأكبر من حالات التسرب، حيث بلغ عدد المتسربين 2,382 طالبًا وطالبة، منهم 1,411 من الذكور مقابل 971 من الإناث. هذه الأرقام تكشف عن مرحلة حرجة في المسيرة التعليمية، حيث يقترب الطلاب من نهاية المرحلة الأساسية، وتتزايد الضغوط الأكاديمية والاجتماعية والاقتصادية التي قد تدفعهم للتسرب.

وعلى صعيد الفجوة بين الجنسين، أوضحت الإحصاءات وجود تباين واضح، إذ بلغ إجمالي المتسربين من الذكور 6,826 طالبًا، بينما وصل عدد الإناث المتسربات إلى 4,894 طالبة. وأظهرت الأرقام استمرار هذه الفجوة في جميع الصفوف الدراسية، مما يعكس تفاوتًا في العوامل المؤثرة على كلا الجنسين، ويشير إلى احتمالية دخول الذكور سوق العمل مبكرًا مقارنة بالإناث، أو تأثرهم بشكل أكبر بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية.

العوامل المؤثرة في ظاهرة التسرب

تتعدد العوامل التي تقف وراء ظاهرة التسرب المدرسي في الأردن، وتتداخل بشكل معقد. فقد أشارت دراسات محلية إلى أن الأوضاع الاقتصادية تلعب دورًا محوريًا في هذه المشكلة، خاصة مع تزايد معدلات الفقر والبطالة التي تدفع الأسر لإشراك أبنائها في سوق العمل لتحسين الدخل العائلي. هذا الواقع يضع الأطفال والمراهقين أمام خيار صعب بين متابعة تعليمهم أو المساهمة في إعالة أسرهم، خاصة في المناطق الأقل حظًا والمجتمعات الريفية.

بالإضافة إلى ذلك، تساهم العوامل الاجتماعية والثقافية في تفاقم المشكلة، حيث لا تزال بعض المجتمعات تقلل من أهمية التعليم، خاصة للإناث، أو تضع قيودًا على استمرارهن في التعليم بعد سن معينة. وتبرز كذلك عوامل تتعلق بالبيئة المدرسية نفسها، كضعف البنية التحتية في بعض المدارس، وقلة الحوافز المقدمة للطلاب، والمسافات الطويلة التي يقطعها بعض الطلاب للوصول إلى مدارسهم، فضلًا عن التحديات التي واجهت المنظومة التعليمية إثر جائحة كورونا وما خلفته من آثار على مستويات التحصيل الدراسي والدافعية للتعلم.

آثار التسرب المدرسي على المجتمع

تلقي ظاهرة التسرب المدرسي بظلالها الثقيلة على المجتمع الأردني، إذ تحرم البلاد من الاستفادة من طاقات آلاف الشباب الذين كان يمكن أن يشكلوا عنصرًا فاعلًا في التنمية المستدامة. وتشير دراسات اقتصادية إلى أن انخفاض مستويات التعليم يرتبط بشكل مباشر بزيادة معدلات الفقر والبطالة، مما يخلق حلقة مفرغة يصعب كسرها. كما أن الطلاب المتسربين قد يواجهون صعوبات في الاندماج الاجتماعي والحصول على فرص عمل لائقة، مما يزيد من مخاطر انخراطهم في أنشطة سلبية أو غير قانونية.

وعلى المستوى الاقتصادي، تتكبد الدولة خسائر كبيرة جراء الاستثمار غير المكتمل في التعليم، حيث تنفق موارد مالية وبشرية على الطلاب قبل تسربهم دون أن تحصد ثمار هذا الاستثمار. ومن جهة أخرى، تفقد القوى العاملة الأردنية فرصة تطوير مهارات ومؤهلات جديدة قد تسهم في تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني. ويمتد تأثير التسرب إلى الأجيال القادمة، إذ أظهرت الدراسات أن أبناء المتسربين من التعليم هم أكثر عرضة للتسرب أيضًا، مما يجعل المشكلة متوارثة عبر الأجيال.

تتطلب معالجة ظاهرة التسرب المدرسي في الأردن رؤية شاملة تتجاوز مجرد تعزيز الالتحاق بالمدارس إلى تحسين جودة التعليم وجعله أكثر جاذبية وملاءمة لاحتياجات الطلاب. كما ينبغي العمل على توفير شبكات أمان اجتماعي للأسر المحتاجة لتمكينها من إبقاء أطفالها في المدارس، وسن تشريعات أكثر صرامة لمنع عمالة الأطفال، مع تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التعليم كحق أساسي وضرورة تنموية. فمستقبل الأردن مرهون بقدرته على الاستثمار في رأس ماله البشري، وإنقاذ هؤلاء الـ 11,720 طالبًا وطالبة وغيرهم من براثن التسرب هو استثمار في مستقبل الوطن بأكمله.

اخر تحديث: 07 مايو 2025 الساعة 05:30 مساءاً
علي الزعبي

علي الزعبي

أنا علي الزعبي، متخصص في شؤون التعليم الأردني. أعمل منذ سنوات على متابعة التطورات والابتكارات في القطاع التعليمي، وأشارك بانتظام في المؤتمرات والندوات التعليمية التي تساهم في تعزيز معرفتي، مما يمكنني من تقديم رؤى شاملة وعميقة في هذا المجال.

قم بمشاركة المقال

whatsapp icon facebook icon twitter icon telegram icon

المزيــــــد