رحيل إيمان الغوري في عز شبابها... الكوميديا السورية تفقد 'خيرو' التي درست التمثيل في موسكو وتنحدر من أصول السلطان المملوكي


فقدت الساحة الفنية السورية والعربية إحدى أبرز نجماتها مع رحيل الفنانة إيمان الغوري عن عمر ناهز 58 عامًا، تاركة وراءها إرثًا فنيًا يتصدره دورها الأيقوني "خيرو" في مسلسل "أحلام أبو الهنا" إلى جانب الفنان الكبير دريد لحام. وأعلنت نقابة الفنانين السوريين الخبر عبر صفحتها الرسمية، مؤكدة أن الجنازة ستُقام في جامع الروضة بدمشق قبل دفنها في حلب، مسقط رأسها الفني.
تمتد حكاية إيمان الغوري إلى جذور عريقة تعود للسلطان المملوكي الأشرف قانصوه الغوري، فهي تنتمي لأصول شركسية نبيلة رغم ولادتها في الرياض عام 1967. هذا التنوع الثقافي ربما ساهم في ثراء شخصيتها الفنية التي جمعت بين الأصالة العربية والانفتاح على ثقافات متعددة، خاصة بعد رحلتها التعليمية الاستثنائية إلى روسيا.
قصة الغوري مع الفن بدأت مبكرًا في سن الرابعة عشرة عندما وقفت على خشبة المسرح لأول مرة في مسرحية "لا ترهب حد السيف" للكاتب فرحان بلبل. كانت تلك البداية المتواضعة إشارة لموهبة كامنة ستتفجر لاحقًا في أعمال خالدة. رغم عدم قبولها في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، فتحت أمامها الحياة بابًا أوسع عندما حصلت على منحة حكومية لدراسة التمثيل في معهد السينما الحكومي بموسكو.
في العاصمة الروسية، صقلت الغوري موهبتها وحصلت على دبلوم التمثيل عام 1993، عائدة إلى سوريا محملة بتقنيات فنية متطورة وفهم عميق لأسرار المهنة. انتسبت لنقابة الفنانين في حلب وبدأت رحلتها التلفزيونية بأعمال مثل "تل اللوز" و"قلوب خضراء" إلى جانب جمال سليمان، لكن اللحظة الفاصلة في مسيرتها كانت عام 1996.
في ذلك العام المميز، قدمت شخصية "خيرو" في مسلسل "أحلام أبو الهنا" الذي أصبح علامة فارقة في تاريخ الكوميديا السورية. جسدت الغوري بجانب دريد لحام وسامية الجزائري شخصية امرأة بسيطة تحمل في طياتها روح الحي الشعبي وأحلام الطبقة المتوسطة السورية. كان أداؤها عفويًا وصادقًا لدرجة أن الجمهور تبنى الشخصية وأحبها كأنها فرد من العائلة.
شاركت الغوري في أعمال درامية أخرى بارزة منها "باب الحديد" و"مذكرات عائلة" و"يوميات جميل وهناء" و"شو حكينا"، بالإضافة إلى فيلم "تراب الغرباء" عام 1997. لكن رغم نجاحها الكبير، اتخذت قرارًا مفاجئًا عام 2001 بالاعتزال والتفرغ لحياتها الأسرية بعد إنجاب ابنها الوحيد ورد محمد كوسه.
امتد غياب الغوري أحد عشر عامًا كاملة، فترة شهدت تغيرات جذرية في المشهد الفني السوري والعربي. عادت عام 2012 في مسلسل "الجذور تبقى خضراء"، لكن عودتها كانت محدودة ولم تستمر طويلاً. اقتُرح عليها المشاركة في مسلسل "روزانا" لاحقًا، إلا أنها اعتذرت عن الدور لعدم رضاها عنه، مما يعكس اختياراتها الفنية الدقيقة.
يتذكر الجمهور العربي الغوري بحنين خاص، فشخصية "خيرو" تجاوزت حدود الشاشة لتصبح جزءًا من الذاكرة الجماعية لجيل كامل. ضحكتها العفوية وحضورها الإنساني الدافئ جعلا منها أيقونة للبساطة والأصالة في زمن بدأت فيه الدراما العربية تتجه نحو التعقيد والإثارة المفتعلة. رحيلها يمثل نهاية حقبة من الفن الراقي الذي كان يلامس قلوب الناس دون ضجيج أو ادعاء.
سيتم تحسين تجربتنا على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط