عالم جينات يؤكد: تحويل المئوي إلى عشريني ممكن علمياً.. والسر في بروتين واحد

كشف البروفيسور ديريا أونتماز، الخبير في علم الجينات والمناعة، عن إمكانية ثورية قد تغير وجه البشرية للأبد. فقد أكد أن التقدم العلمي الحالي يفتح المجال أمام عكس مسار الشيخوخة بشكل جذري، ليصبح الشخص البالغ من العمر مئة عام شاباً في العشرين من عمره. هذا الاكتشاف يرتكز على فهم عميق لآليات الشيخوخة الجينية وإمكانية التحكم فيها من خلال بروتين واحد محدد.
وفي هذا السياق، تمكن علماء من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو من تحديد بروتين FTL1 كعامل أساسي في عملية شيخوخة الدماغ. هذا البروتين، الذي يتراكم في منطقة الحُصين المسؤولة عن الذاكرة والتعلم، يُعتبر المفتاح الذي قد يفتح الباب أمام إيقاف تدهور الوظائف العقلية المرتبطة بالتقدم في السن.
الدراسات الحديثة تُظهر أن العلماء نجحوا بالفعل في تطوير تقنيات متقدمة للتحكم في مستويات هذا البروتين. باستخدام تقنية تداخل الحمض النووي الريبوزي، تمكن الباحثون من خفض مستويات بروتين FTL1 داخل الخلايا العصبية، مما أدى إلى تحسن ملحوظ في الوظائف المعرفية لدى الفئران المُسنة. هذه النتائج تفتح آفاقاً جديدة لفهم كيفية عمل الشيخوخة على المستوى الجزيئي.
وقد أوضح الدكتور سول فيليدا، نائب مدير معهد باكار لأبحاث الشيخوخة، أن ما توصلوا إليه لا يقتصر على إبطاء أعراض التدهور العقلي فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى عكس بعض الاختلالات المرتبطة بالعمر. هذا الإنجاز يمثل نقطة تحول في فهمنا لعملية الشيخوخة ويقدم أملاً حقيقياً لملايين الأشخاص حول العالم.
تأكيدات البروفيسور أونتماز حول إمكانية تحويل الشخص المئوي إلى عشريني تستند إلى تطورات متسارعة في مجال الهندسة الجينية. فالتقنيات الحديثة مثل "كريسبر-كاس9" المعروفة بالمقص الجيني، تتيح تعديل الجينات بدقة متناهية لعلاج الأمراض الوراثية وتأخير عملية الشيخوخة. هذه الأدوات العلمية، مقترنة بالذكاء الاصطناعي، تسرّع من وتيرة الاكتشافات في هذا المجال.
ويُعتبر هذا التطور استكمالاً لسلسلة من الاكتشافات العلمية التي تؤكد إمكانية التدخل في عملية الشيخوخة. فدراسات سابقة أظهرت أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام تؤثر على الشيخوخة الجينية وقد تعكسها، من خلال تأثيرها على أنماط ميثلة الحمض النووي.
الآثار المترتبة على هذا الاكتشاف تتجاوز الطب لتصل إلى الاقتصاد والمجتمع بأكمله. فإذا تمكن العلماء من تطبيق هذه التقنيات على البشر بنجاح، فإن ذلك سيؤدي إلى تغيير جذري في مفهوم دورة الحياة البشرية والتخطيط الاقتصادي طويل المدى. مفهوم التقاعد والشيخوخة قد يصبح من الماضي، بينما ستظهر تحديات جديدة متعلقة بالموارد والاستدامة.
من ناحية أخرى، تشير الأبحاث إلى أن اللياقة البدنية العالية، وخاصة القدرة القلبية التنفسية، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإبطاء الشيخوخة الجينية. دراسات أظهرت أن النساء في منتصف العمر قللن من عمرهن الجيني بمقدار عامين بعد ثمانية أسابيع فقط من التمارين المنتظمة.
البروفيسور أونتماز يصف هذا التطور بأنه "أعظم اكتشاف في التاريخ ونقطة تحول في مسار الحضارة". وهو محق في ذلك، فإن القدرة على عكس الشيخوخة ستغير قواعد اللعبة تماماً في جميع جوانب الحياة البشرية. من الطب إلى الاقتصاد، ومن التعليم إلى التخطيط العائلي، كل شيء سيحتاج إلى إعادة تفكير جذرية.
وتُظهر الدراسات أن الرجال الأكبر سناً الذين لديهم مستويات أعلى من امتصاص الأكسجين، كانت لديهم شيخوخة جينية أبطأ بشكل ملحوظ. هذه النتائج تدعم فكرة أن الحفاظ على اللياقة البدنية يؤخر الشيخوخة الجينية في العديد من أعضاء الجسم.
رغم أن الطريق ما زال طويلاً قبل تطبيق هذه التقنيات على البشر، إلا أن الأسس العلمية قوية والتقدم متسارع. التحدي الأكبر الآن يكمن في تطوير طرق آمنة وفعالة لتطبيق هذه الاكتشافات سريرياً، وضمان إتاحتها للجميع وليس فقط للأثرياء. مستقبل البشرية قد يكون على وشك تغيير جذري، والسؤال الوحيد المتبقي هو متى وليس إذا كان ذلك سيحدث.
سيتم تحسين تجربتنا على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط