2025.. هل تتحول أزمة الإيجارات الأردنية إلى قنبلة اجتماعية؟

يواجه الأردن اليوم تحدياً معيشياً خطيراً يتمثل في أزمة الإيجارات المتصاعدة، التي باتت تهدد النسيج الاجتماعي للبلاد. فمع ارتفاع نسبة الفقر إلى 27% وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين بنسبة 10% في عام 2023 حسب تقرير البنك الدولي، تحولت مسألة السكن من حاجة أساسية إلى هاجس يومي للأسر الأردنية، خصوصاً مع الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب على الوحدات السكنية، وارتفاع أسعار الإيجارات بشكل غير مسبوق في سياق اقتصادي مضطرب.
ارتفاع الإيجارات وتأثيرها على الأردنيين
تشير البيانات الرسمية من دائرة الإحصاءات العامة الأردنية إلى ارتفاع أسعار العقارات السكنية بنسبة تتراوح بين 5 و10% بين عامي 2022 و2023، بالتزامن مع موجة تضخم متصاعدة. ويعيش نحو 37% من الأردنيين في منازل مؤجرة، فيما شهدت العاصمة عمان، التي يقطنها 40% من سكان المملكة، القفزة الأكبر في أسعار الإيجارات. وكما يشير خبراء العقار، فإن متوسط الإيجار الشهري لشقة مساحتها 100 متر مربع في المناطق الغربية من عمان يتراوح بين 500 و800 دينار أردني (700-1100 دولار أمريكي)، وهو ما يتجاوز متوسط دخل معظم الأسر من الطبقة المتوسطة.
هذه الأزمة أدت إلى ظاهرة الهجرة الداخلية، حيث بدأ الأردنيون بالانتقال من مركز العاصمة إلى أطرافها والمدن المجاورة مثل الزرقاء وإربد والضواحي كالرصيفة وسحاب ومادبا، بحثاً عن إيجارات أقل بنسبة تصل إلى 30%. وتبعاً للاستطلاعات المحلية، يعزف الشباب الأردني بشكل متزايد عن الزواج بسبب تكاليف السكن الباهظة، مما يؤثر سلباً على البنية الاجتماعية ويزيد من حدة المشكلات النفسية والاجتماعية. وكما تفيد وزارة التخطيط، فإن الأردن يحتاج سنوياً إلى 65 ألف وحدة سكنية، لا يتوفر منها سوى 40 ألفاً، وتذهب معظمها للفئات ذات الدخل المتوسط والمرتفع.
السياسات والتدابير الحكومية
تنظم سوق الإيجارات في الأردن عدة تشريعات، أبرزها قانون المالكين والمستأجرين الذي خضع لتعديلات في عام 2021، سعت من خلالها الحكومة إلى وضع آلية لتحديد الزيادات السنوية بشكل يتماشى مع معدلات التضخم. كما حاولت الحكومة عبر قانون الإسكان والتطوير الحضري تنظيم عملية البناء العقاري وزيادة المعروض، لكن هذه الجهود تصطدم بتحديات كبيرة تتعلق بالارتفاع المستمر في أسعار المواد الإنشائية وغياب آلية رقابية فعالة على سوق الإيجارات.
ويرى رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان ماجد غوشة أن الحل يكمن في إطلاق برامج تمويلية مدعومة من الحكومة والبنك المركزي لتمكين المواطنين من شراء مسكنهم الأول. بالمقابل، تسعى الحكومة الأردنية حالياً، وبعد فشل تجربة سابقة عام 2008 تحت اسم "سكن كريم لعيش كريم"، إلى تشجيع الاستثمار في مشاريع الإسكان الميسر عبر توفير أراضٍ حكومية بأسعار مخفضة لتطوير مشاريع سكنية تستهدف ذوي الدخل المحدود. كما تعمل على تطوير قاعدة بيانات مركزية للإيجارات لمنع التلاعب بالأسعار وتنظيم السوق العقاري بشكل أفضل.
مطالب وضغوطات اجتماعية
تتصاعد الأصوات المطالبة بإجراءات حكومية فاعلة للحد من أزمة الإيجارات المتفاقمة، حيث يطالب المواطنون بوضع سقوف سعرية للإيجارات لحمايتهم من الاستغلال. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الأردنيين يعتبرون الإيجارات الحالية مرتفعة بشكل غير مبرر، ويدعون الحكومة لاتخاذ إجراءات عاجلة لضبط السوق. على الجانب الآخر، يدافع رئيس جمعية مالكي العقارات والأراضي مازن الحديدي عن حقوق المالكين، مشيراً إلى أن كلف الضرائب والرسوم التي تصل إلى نحو 27% من قيمة العقار تضغط عليهم وتدفعهم لرفع الإيجارات.
وتحذر تقارير اقتصادية واجتماعية من تحول أزمة الإيجارات إلى "قنبلة اجتماعية" في المستقبل القريب إذا استمرت بالتفاقم. فالتداعيات تتجاوز الجانب المادي لتؤثر على الاستقرار الاجتماعي والأسري، حيث تزيد معدلات العنف المنزلي والمشكلات النفسية وسط الضغوط الاقتصادية المتزايدة. وتظهر الدراسات الاجتماعية الحديثة أن هناك تزايداً في عدد الأسر التي تخصص أكثر من 40% من دخلها للسكن، مما يزيد من حدة الضغوط المالية على الأسر الأردنية، ويقلص قدرتها على الإنفاق في المجالات الأساسية الأخرى كالتعليم والصحة.
مع اقتراب عام 2025، تبدو الأزمة السكنية في الأردن في طريقها للتحول إلى تحدٍ اجتماعي واقتصادي مركب يتطلب تدخلات عاجلة وشاملة. وبينما تتعدد المقترحات والحلول، من تنظيم سوق الإيجارات إلى زيادة المعروض من الوحدات السكنية ميسورة التكلفة، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين حقوق المالكين والمستأجرين، وضمان توفر السكن الملائم للفئات المختلفة في مجتمع يعاني من ضغوط اقتصادية متزايدة. فإما أن تنجح الجهود في احتواء الأزمة، أو أن المملكة ستواجه تبعات اجتماعية صعبة قد تهدد النسيج المجتمعي والاستقرار الاقتماعي خلال السنوات القادمة.
سيتم تحسين تجربتنا على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط