تعديلات تهز أركان القضاء الأردني.. الدائنون يستغيثون... والمدينون يحتفلون! فماذا يحدث؟

تشهد الأردن حالياً جدلاً قانونياً واسعاً مع اقتراب موعد تنفيذ التعديلات الجديدة على قانون التنفيذ لعام 2022، والمقرر تطبيقها منتصف عام 2025. تأتي هذه التعديلات لتضع حداً لحبس المدين في الالتزامات التعاقدية، باستثناء عقود إيجار العقارات وعقود العمل، في خطوة وصفها البعض بالإصلاحية بينما اعتبرها آخرون "مشوهة" وتفتقر للتوازن. وبين حماية حقوق الدائن وصون كرامة المدين، تتصاعد التساؤلات حول فاعلية هذه التعديلات والبدائل الممكنة لحبس المدين كآلية قانونية لتحصيل الحقوق.
تتمحور التعديلات الجديدة حول عدم جواز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي، مع استثناء عقود إيجار العقارات وعقود العمل من هذا المنع. كما توسعت التعديلات في الحالات التي يمنع فيها حبس المدين لتشمل الديون بين الأزواج أو بين الأصول والفروع ما لم تكن نفقة محكوماً بها، إضافة إلى الديون الموثقة بتأمين عيني، والديون التي تقل عن خمسة آلاف دينار. ويذكر أن القانون قد قلص مدة الحبس لتصبح ستين يوماً في السنة الواحدة عن الدين الواحد، ومائة وعشرين يوماً في السنة الواحدة مهما تعدد الدائنون.
ويجادل المؤيدون للتعديلات بأن حبس المدين إجراء قديم هجرته معظم التشريعات الحديثة، ويمس بحق الفرد في العيش بكرامة وحريته في العمل والتنقل. في المقابل، يشير المعارضون إلى أن دولاً عربية كقطر أصدرت مؤخراً قانوناً جديداً لتنفيذ الأحكام القضائية يتوسع في النصوص المتعلقة بحبس المدين، مما يجعل الادعاء بأن التشريعات الحديثة تتخلى عن هذا الإجراء غير دقيق. وبحسب خبراء قانونيين، أن أي تعديل يجب أن يراعي التوازن بين حقوق المدين والدائن على حد سواء.
صرّح عضو مجلس الأعيان غازي الذنيبات أن القانون الجديد منح المدينين ثلاث سنوات لتسوية أوضاعهم، مشدداً على أن تعديل القانون جاء استجابة للتحديات التي يواجهها آلاف الأردنيين، خاصة المتواجدين في الخارج بسبب تعثرهم المالي. وأوضح الذنيبات أن اكتظاظ السجون بسبب قضايا الديون كان من أبرز دوافع التعديل، مضيفاً أن تطبيق القانون سيكون بأثر رجعي، مما يعني أن الشيكات الصادرة قبل سريان القانون بيوم واحد ستُعامل كمستندات مالية وليس وسيلة ضغط قانونية.
من جانبه، وصف الخبير القانوني مروان المعايطة التعديلات الأخيرة بأنها "مشوهة"، محذراً من أن القانون قد يؤدي إلى زيادة عدد المتخلفين عن السداد. وتوقع المعايطة أن تشهد الفترة المقبلة مطالبات نيابية لتعديل القانون بعد بدء تنفيذه. ويشير الدكتور ليث كمال نصراوين، أستاذ القانون الدستوري، إلى ضرورة مراجعة مجلس النواب للقانون الحالي قبل نفاذ التعديلات الأخيرة، مؤكداً على أهمية توفير بدائل حقيقية للدائن تمكنه من استيفاء حقه من المدين الممتنع عن الدفع دون عذر مشروع.
على الرغم من أن قانون التنفيذ الأردني المعدل قيّد حالات حبس المدين، إلا أنه لم يقدم آليات تنفيذية جديدة تعوض الدائن عن هذا التقييد. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدول العربية تبنت إجراءات بديلة فعالة، فقانون التنفيذ القطري الجديد يتيح للقاضي منع المدين من إجراء بعض التصرفات القانونية أو الاستفادة من بعض الخدمات الحكومية، كما يحظر التعاقد مع المنفذ ضده من قبل الجهات الحكومية إلى حين سداد دينه.
وفي نموذج آخر، يلزم القانون البحريني القاضي بالتأشير على السجل الائتماني للمدين الممتنع عن الدفع لمدة سبع سنوات، مما يوفر حماية للدائنين المحتملين مستقبلاً. كما يشمل القانون البحريني التعميم على جهاز المساحة والتسجيل العقاري ومصرف البحرين المركزي والإدارة العامة للمرور والسجل التجاري وشركة بورصة البحرين، لتتبع أي معاملة قد يجريها المدين تتعلق بأمواله، مما يشكل وسيلة ضغط فعالة لدفعه نحو سداد دينه.
مع اقتراب تطبيق التعديلات الجديدة في منتصف 2025، يبدو المشهد القانوني في الأردن أمام تحد حقيقي يتطلب موازنة دقيقة بين صون كرامة المدين المعسر وحماية حقوق الدائن. وبينما تمضي البلاد نحو هذه النقلة التشريعية، تبرز الحاجة إلى مراجعة شاملة للقانون مع استلهام تجارب إقليمية ناجحة في إيجاد بدائل عملية لحبس المدين. ستختبر الأشهر القادمة مدى استعداد المنظومة القضائية والعلاقات التجارية للتكيف مع هذا الواقع الجديد، وسط تنبؤات بارتفاع المطالبات بتعديل القانون عقب تطبيقه فعلياً.
سيتم تحسين تجربتنا على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط