الأرصاد الجوية تحذر من موجة حر شديدة قادمة : درجات حرارة قياسية لأول مرة في التاريخ

مع زقزقة العصافير التي تعلن قدوم الربيع في أرجاء المملكة العربية السعودية، تلوح في الأفق علامات مبكرة لصيف قاسٍ قادم. صار المواطنون والمقيمون يشعرون بارتفاع تدريجي في درجات الحرارة التي وصلت في بعض المناطق إلى 43 درجة مئوية، رغم أننا ما زلنا في قلب فصل الربيع. المركز الوطني للأرصاد بدأ يطلق تحذيراته المبكرة، على لسان متحدثه الرسمي حسين القحطاني، من موجة حارة غير عادية تلوح في الأفق، ستشهد خلالها المملكة درجات حرارة قد تصل في بعض المناطق إلى مستويات قياسية، خاصة في المنطقتين الشرقية والوسطى، مما يضع السلطات والمواطنين أمام تحدٍ كبير للتعامل مع هذه الظروف المناخية الاستثنائية.
وسط هذه التوقعات المقلقة، كشف حسين القحطاني، المتحدث الرسمي للمركز الوطني للأرصاد، أن المركز يعكف حالياً على إعداد تقرير مناخي شامل لفصل الصيف المقبل. يعمل فريق من الخبراء والمختصين بشكل متواصل لتوفير بيانات دقيقة حول التوقعات المناخية للأشهر القادمة، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على المنطقة. ومن الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية تدخل مرحلة انتقالية، حيث تشهد تقلبات في درجات الحرارة بين الشمال والجنوب، مصحوبة بهطول أمطار متفرقة في بعض المناطق، ورياح نشطة مثيرة للأتربة في مناطق أخرى.
وأجرى المركز الوطني للأرصاد دراسات مقارنة مع السنوات السابقة، وتوصل إلى أن هناك ارتفاعاً مبكراً في درجات الحرارة هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة. أوضح القحطاني في تصريحاته أن المؤشرات الأولية تشير إلى أن السعودية ستدخل أجواءً صيفية حارة بشكل استثنائي، حيث من المتوقع أن تتراوح معدلات درجات الحرارة العظمى بين 48 و49 درجة مئوية، بينما ستتراوح الصغرى بين 38 و39 درجة مئوية. ويبدو أن هذه التوقعات تتماشى مع النمط العالمي لارتفاع درجات الحرارة بسبب التغيرات المناخية، مما يجعل المركز الوطني للأرصاد يضاعف جهوده في الرصد والمتابعة والإنذار المبكر للمواطنين والجهات المعنية.
تتباين التأثيرات المتوقعة للموجة الحارة بين مناطق المملكة المختلفة، حيث كشف حسين القحطاني أن المناطق الشرقية ستكون الأكثر تضرراً من الارتفاع الحاد في درجات الحرارة. سجلت محافظة النعيرية في السنوات الخمس الماضية أعلى درجات حرارة صيفية في المملكة، حيث وصلت إلى 53 درجة مئوية في الظل، تلتها الدمام والظهران بدرجات حرارة مرتفعة أيضاً. وهذا النمط من شأنه أن يفرض تحديات كبيرة على سكان هذه المناطق، خاصة العاملين في القطاعات التي تتطلب العمل في الهواء الطلق، مما قد يؤدي إلى زيادة حالات الإجهاد الحراري وضربات الشمس إذا لم يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
وبينما تعاني المناطق الشرقية والوسطى والجنوبية الداخلية من الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، تشهد المناطق الشمالية انخفاضاً نسبياً في درجات الحرارة، حيث سجلت بعض المناطق الحدودية درجات منخفضة تصل إلى 8 أو 9 درجات مئوية. غير أن هذا الانخفاض، كما يؤكد القحطاني، لا يؤثر على باقي مناطق المملكة التي تستعد تدريجياً لاستقبال صيف حار. وفي المنطقة الغربية، سجلت مدينة جدة أعلى درجة حرارة صيفية لها في عام 2010، حيث وصلت إلى 52 درجة مئوية في الظل، مما يشير إلى احتمالية تكرار هذا السيناريو أو تجاوزه في الصيف المقبل، خاصة مع المؤشرات المناخية الحالية التي تنذر بارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة.
يضيف موسم الحج لهذا العام تحدياً إضافياً للسلطات والجهات المعنية، حيث سيتزامن مع ذروة فصل الصيف. يُشير القحطاني إلى أن هذا العام سيكون آخر موسم حج يتزامن مع فصل الصيف لمدة 16 عاماً قادمة، نظراً لطبيعة التقويم الهجري المتحرك. هذا التزامن يضع الحجاج أمام تحديات مناخية صعبة، حيث ستكون الأجواء حارة جداً خلال أداء المناسك، مما يتطلب استعدادات خاصة من قبل السلطات المسؤولة عن تنظيم الحج، وكذلك من الحجاج أنفسهم.
ولمواجهة هذه التحديات، يعكف المركز الوطني للأرصاد على إعداد تقارير مناخية متخصصة لموسم الحج، متضمنة توقعات دقيقة لدرجات الحرارة والرطوبة وحركة الرياح خلال فترة المناسك. هذه التقارير ستكون بمثابة خارطة طريق للجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة. وأوضح القحطاني أن المركز يتعاون بشكل مباشر مع وزارة الحج والعمرة والدفاع المدني والجهات الصحية، لتزويدهم بالمعلومات الضرورية التي تساعدهم في تنفيذ المشاريع المتعلقة بموسم الحج، وخاصة تلك المتعلقة بتوفير وسائل التبريد والتكييف والظل في المشاعر المقدسة، وزيادة نقاط توزيع المياه، وتكثيف الخدمات الطبية لاستقبال الحالات المحتملة من الإجهاد الحراري.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة السعودية قد بدأت بالفعل في إطلاق حملات توعوية للحجاج حول كيفية التعامل مع درجات الحرارة المرتفعة، والاحتياطات الواجب اتخاذها، مثل تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس خلال ساعات الذروة، والحرص على شرب كميات كافية من السوائل، واستخدام المظلات والقبعات الواقية من الشمس، بالإضافة إلى إرشادات أخرى تهدف إلى الحفاظ على صحة الحجاج وسلامتهم خلال فترة أدائهم للمناسك في ظل هذه الظروف المناخية الاستثنائية.
مع اقتراب موعد الصيف، تتأهب السلطات السعودية لمواجهة التحديات المناخية المقبلة، حيث يتوقع المركز الوطني للأرصاد أن يكون هذا الصيف من أشد الفصول حرارة. المؤشرات الأولية والقراءات الحالية تدق ناقوس الخطر، مما يتطلب تضافر جهود جميع الجهات المعنية لتخفيف آثار موجة الحرارة المتوقعة على المواطنين والمقيمين. يبقى التأكيد على أهمية متابعة النشرات الجوية والتحذيرات الصادرة عن المركز الوطني للأرصاد، والالتزام بالإرشادات الوقائية، ضرورة ملحة للمحافظة على السلامة العامة خلال هذه الفترة الحرجة، ولا سيما بالنسبة للحجاج الذين سيؤدون المناسك تحت وطأة حرارة الصيف القاسية.
سيتم تحسين تجربتنا على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط