"غير الشرقي" الذي سخر من شعبه: تناقضات المشروع الفني والسياسي لزياد الرحباني

تثير وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني، صاحب الإرث الفني والسياسي المعقد، تساؤلات حول مشروعه الذي عرف بتناقضاته وتجذره في تلك التساؤلات الثقافية والسياسية. زياد، الذي تتلمذ في بيت الرحابنة، كان له بصمة فريدة تميزت بانتقاداته اللاذعة للسياسة والمجتمع اللبنانيين، مجسداً من خلال أعماله مفهوم الـ"غير شرقي".
لعب زياد دورًا سياسيًا محوريًا في موسيقاه، منحازًا للأفكار اليسارية وموجهاً سهام نقده لجميع الأطراف، بما في ذلك المواطن اللبناني الذي كان لا يُفلت من جزالة سخريته. لقد سحر الرحباني الجمهور اللبناني والعربي بجمالية فنه الذي مزج بين التراث والحداثة عبر مقطوعات موسيقية وأعمال مسرحية مثل "نزل السرور" و"فيلم أميركي طويل"، ومسلسلات إذاعية ساخرة مثل "العقل زينة"، التي صاحبت الجمهور في أيام الحرب الأهلية العصيبة.
يسكن في جوهر فن زياد الرحباني أسئلة الهوية والانتماء، إذ اعتبر أن المزج الموسيقي قد يكشف عن إشكاليات الثقافة المزدوجة بين الشرق والغرب. وعلى الرغم من إشارة أعماله إلى "الجاز الشرقي" وتناوله مسألة الهوية اللبنانية، إلا أن المحاكاة الساخرة من الشخصيات الشعبية العربية وانحيازه لليسار النقدي جعلاه صوت احتضان النقاشات الفلسفية حول الحداثة والتطور في المجتمع العربي.
إن إرث زياد الرحباني لا يقتصر على تأثيره الفني فحسب، بل يمتد إلى المجال السياسي الاجتماعي والفكري في وقت شهد تحولات جذرية في العالم العربي. تجعله هذه الإنجازات الشخصية والثقافية مرآة تلخص التغيرات الاجتماعية والسياسية، ما يثير أسئلة مستمرة حول مستقبل الهوية والسياسة في العالم العربي ضمن إطار فني جامع بين الكلاسيكي والجديد، وبين الجدي والهزلي.
سيتم تحسين تجربتنا على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط