340 قتيلاً في باكستان.. كيف حوّلت الأمطار الموسمية حياة 255 مليون نسمة إلى كابوس؟

حولت الأمطار الموسمية الغزيرة حياة 255 مليون نسمة في باكستان إلى كابوس حقيقي، بعد أن تسببت في مقتل 340 شخصاً خلال يومين فقط، وفق آخر إحصائيات السلطات الباكستانية. وقعت الكارثة الطبيعية في ولاية خيبر بختونخوا الجبلية المحاذية لأفغانستان، حيث لقي معظم الضحايا حتفهم جراء التعرض للصعق الكهربائي أو صواعق رعدية قاتلة، إضافة إلى الفيضانات المفاجئة وانهيار المنازل.
أصبحت المشاهد المؤلمة من شمال باكستان تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تواجه المنطقة. يقول محمد خان، أحد سكان مقاطعة بونر البالغ من العمر 48 عاماً: "عندما استيقظت هذا الصباح، كانت الأرض التي تزرعها عائلتنا منذ أجيال، والحقل الصغير حيث كنا نلعب الكريكت على مدى سنوات، قد اختفيا". وأضاف بألم: "يبدو كأن الجبل انهار، المنطقة مغطاة بالطين والصخور الضخمة"، مشيراً إلى أنه انتشل "19 جثة من تحت الركام".
تواجه فرق الإنقاذ البالغ عددها أكثر من ألفي عنصر تحديات جمة في الوصول إلى المناطق المنكوبة. يوضح بلال أحمد فائزي، المتحدث باسم وكالة إدارة الكوارث في ولاية خيبر بختونخوا، أن "هطول الأمطار الغزيرة وانزلاقات التربة والطرق المقطوعة تعيق وصول سيارات الإسعاف ويضطر عناصر الإنقاذ إلى التنقل سيراً على الأقدام". ويكشف فائزي عن معضلة إنسانية مؤثرة: "فرق الإنقاذ تريد إجلاء الناجين، لكن عدداً قليلاً منهم على استعداد للمغادرة لأن أقاربهم ما زالوا محاصرين تحت الركام".
المأساة الإنسانية تتجلى في شهادات المواطنين المفجوعين. سيف الله خان، البالغ 32 عاماً، يحكي بحزن عميق: "السكان يقومون بجمع الجثث ويقيمون صلاة الجنازة عليها، لكن ما زلنا لا نعرف من على قيد الحياة ومن فارقها". ويضيف بألم: "عثرت على جثث عدد من طلابي وأسأل نفسي ماذا فعلوا كي يستحقوا هذا".
تشهد المنطقة أحداثاً مناخية غير مسبوقة، حيث أدت صواعق رعدية متتالية إلى زيادة عدد الضحايا بشكل مأساوي. وفي تطور مأساوي آخر، تحطمت طائرة هليكوبتر أثناء مهمة إنقاذ بسبب سوء الأحوال الجوية، مما أدى إلى مقتل طاقمها المكون من خمسة أفراد، في مشهد يعكس خطورة الوضع الذي تواجهه عمليات الإغاثة.
يؤكد سيد محمد طيب شاه من الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث أن "أكثر من نصف الضحايا قُتلوا بسبب سوء نوعية الأبنية". ويحذر من أن "ذروة الأمطار الموسمية" التي تستمر عادة حتى منتصف سبتمبر قد بدأت للتو، ما يعني احتمالية تفاقم الوضع الكارثي. وبحسب مختصين في الأرصاد الجوية، من المتوقع هطول أمطار غزيرة حتى 21 أغسطس في شمال غرب البلاد، حيث أعلنت مناطق عدة أنها "منكوبة".
الأرقام المفزعة تكشف حجم الكارثة الحقيقي منذ بداية موسم الأمطار "غير الاعتيادي" في يونيو، حيث قُتل 657 شخصاً بينهم مئات الأطفال، كما أُصيب 888 شخصاً بجروح. وتعاني باكستان، خامس أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان البالغ 255 مليون نسمة، من كونها واحدة من أكثر الدول عرضة لتأثيرات تغير المناخ. وسجلت ولاية البنجاب التي تضم نحو نصف سكان البلاد زيادة في هطول الأمطار بنسبة 73% مقارنة بالعام السابق.
تمتد الكارثة إلى مناطق أخرى في جنوب باكستان والمناطق المجاورة، حيث قُتل 11 شخصاً في الشطر الباكستاني من كشمير، وخمسة أشخاص في منطقة غلغت بالتيستان السياحية. كما لحقت أضرار بما لا يقل عن 74 منزلاً، فيما غمرت السيول الطينية الطرق والعديد من المركبات، وأصبحت أعمدة الكهرباء ملقاة على الأرض في مشاهد مدمرة.
يؤكد العلماء أن تغير المناخ جعل الظواهر الجوية أكثر شدة وتواتراً، ما يفسر القوة التدميرية للأمطار الموسمية هذا العام. وتحمل هذه الأمطار إلى جنوب آسيا نحو 70 إلى 80% من أمطارها السنوية، وهو أمر حيوي للزراعة والأمن الغذائي، لكنها تجلب أيضاً دماراً واسعاً. وحذرت السلطات من أن الأمطار ستشتد أكثر خلال الأسبوعين المقبلين، ما يضع 255 مليون نسمة في مواجهة كابوس مناخي متواصل قد يحصد المزيد من الأرواح البريئة.
سيتم تحسين تجربتنا على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط